"هل تفوق خواكين فيونكس على هيث ليدجر في أداء شخصية الجوكر؟"
التساؤل المحير الذي طرح نفسه من يوم ان تم اعلان الفيلم الجديد، السؤال المثير للجدل الذي يجب أن نجيب عليه كمشاهدين سينمائيين متجردين من التعصب للاراء الثابثة التي تلقى جدل واسع عندما تصطدم برأي عكس التيار، دعونا نتسم ببعض الواقعية بعيدا عن العاطفة والتطرف مع الاخذ بعين الاعتبار كل المعطيات التي طرحت في الحالتين، فليس من العيب ان نجيب بكلمة "نعم" على السؤال بين العلامات الشرطية اعلاه -اذا ما شعرنا ان الإجابة هي "نعم" بالفعل ولو للحظات متقطعة- احتراما لما شاهدناه في الفيلم الجديد وحتى لو كان في قلوبنا تقدير عظيم للراحل هيث ليدجر وجائزة الأوسكار التي تلقاها غيابياً بسبب دخوله إلى أعماق شخصية الجوكر والتي توفى بعد انهائها بفترة قصيرة، لكن للانصاف بين الشخصيتين والممثلين وادائهم الجبار نستطيع أن نجزم ان صناع العمل الفني الجديد اضطروا لصناعة فيلم مدته 01:55:00 ((مليئ بالمساحات الدرامية التي تسمح بالابداع خصوصا في المشاهد المقربة من وجه وانفعالات واضطرابات خواكين فيونكس الرائعة والانغماس في تحول شخص عادي مضطرب نفسيا تعرض لحوادث تنمر متواصلة طوال حياته جعلت منه مجرم عبثي زي الجوكر)) لكي يكون أداء الممثل كفيل انه يضاهي او ربما يتفوق على عظمة 16 مشهد فقط في screenplay قمة في الثراء القصصي مثل سيناريو كريستوفر نولان في Dark Knight والتي عبث فيه هيث ليدجر بطريقة أسطورية عجيبة جعلته يتجلى إلى عنان السماء في أداء خلده التاريخ، هذه ال 16 مشهد والمساحة الضيقة جدا للإبداع في فيلم كان مليئ بالشخصيات والقصص الجانبية بجانب القصة الأساسية تجعل هيث ليدجر الجوكر الأول في التاريخ حتى لو تفوق عليه خواكين في الفيلم الجديد الذي سمح له بالابداع في الشخصية بشكل لم يسبق له مثيل.
الإجابة هي "نعم" خواكين تفوق على ليدجر في نواحي كثيرة في الأداء والانفعالات وتحولات الشخصية بشكل عظيم ولكن الفرق ان مساحة ليدجر في الشخصية كانت ضيقة جدا مع ذلك استطاع بجبروت أدائه ان يصدرها أمام الفيلم باكمله.
JOKER 2019
فيلم دراما نفسي تدور قصته حول "ارثر فليت" الشخص الذي صار لاحقا أسطورة جوثام الشعبية للمجرمين العبثيين الذين أضافوا المزيد من العنف لمدينة تهالكت بالجريمة المنظمة والعشوائية، نحن أمام عمل مصنوع بدقة شديدة نجح فيه المخرج في صناعة جو من الكائبة البصرية التي تنساب تحت الجلد أثناء المشاهدة بطريقة تصوير جوثام بفلاتر فاترة تفتقد لأي معنى للحياة الطبيعية، معالجة العناصر البصرية لا تكتمل الا بالموسيقى التصويرية التي يمكن تصنيفها ضمن احد أروع الابهارات الصوتية في أفلام الكوميكس اللي تتناسب تمامآ مع المحتوى الفني، وبما اننا تحدثنا عن الأداء في المقدمة يجب ننصف ان الانتاج كان عظيم والإخراج أعظم، الرمزية الجمالية في المشاهد المحيطة كانت تحفة وعلى وجه الخصوص إلغاء عامل الزمان التي تدور فيه أحداث السيناريو مما منح الفيلم نقطة إيجابية بجعله Timeless حيث أنه بإمكان المشاهد متابعة الفيلم بأي زمن بدون أن يصفه بالقديم وكذلك إبراز الكتابات في الجدران اللي تظهر بعد كل مشهد يقوم به خواكين كانت غاية في الدقة مما يمنح المشاهد العادي ومحب الجوكر بالذات شعور ان صناع الفيلم اعطوا للمشروع حقه من الالتزام المهني في التعامل مع شخصية اخذت حيز كبير من حياة الناس اليومية على مواقع التواصل الاجتماعي، أظهر لنا صناع العمل طريقة انحدار الشخصية المضطربة نفسيا وما تعرضت له من أذى نفسي بدون أن يعطوا مبرر للشر المطلق مثلما كان متوقع من فيلم من هذه النوعية، بالعكس التوجه في رسالة الفيلم كان حول انه أي احد ممكن ان ينفجر شرا بعد التعرض لذلك الكم الهائل من الإهمال وعدم التقدير بل والتنمر من المجتمع في الحاضر الذي يعيشه ناهيك عن الماضي الأليم الذي طارده حتى الرمق الاخير من خلال والدته وجنونها الذي قد يكون حقيقي او ملفق بسبب ارتباطها بأسم مثل توماس وين، آرثر الحبيس بين ماضي وحاضر لا فرق بينهما لا يمكن أن يكون له مستقبل افضل.
وعلى الجانب الاخر يوجد بعض العيوب او الشوائب مثل الحوارات التي لم تكن من النوع الذي يتم التقاطته بسرعة من خلال سطر معبر بل كانت فلسفية وتأخذ اكثر من جملة لإيصال معناها على عكس ما كنت متوقع ان يكون هناك حزمة من السطور التي سيتم تناقلها عبر التواصل الاجتماعي وعنصر اخر يكمن في ضعف التعامل مع بقية الشخصيات التي لم تجد حقها في البناء بشكل مناسب مثل عدم الاستفادة من وجود ممثل بحجم روبرت دي نيرو بموهبته الفذة ربما لان الفيلم متمحور حول شخصية واحدة لكن إهمال بقية الشخصيات أدى إلى الاستحواذ المطلق لخواكين لمجريات الفيلم والذي بالمناسبة قد لا يكون عامل سلبي في بعض الحالات الا انه لو كان هناك شخصيات أخرى لها دور مهم كان ممكن يفتح مجال لجزء ثاني للقصة التي تصعبت جدا الان ولا يمكن لمحتوى درامي في جزء ثاني ان يتناول المرحلة الثانية من حياة الجوكر بدون السقوط في فخ النمطية لأفلام DC الأخيرة الا لو حدثت معجزة وتم إضافة شخصية او اثنين مؤثرة بشكل كافي لاقامة جزء ثاني يتحدث عن لماذا يقول الجوكر "ان هذه المدينة تحتاج لمجرم من نوع آخر لا شهوة له لمال او سلطة، عميل للفوضى لا أكثر" ، لأننا بطبيعة الحال عرفنا كل شيء من أعماق تحول الجوكر إلى ما هو معروف للعالم واذا رغبنا بمعرفة المزيد فلن يكون غير كيف أصبح مجرم غير اعتيادي جاعلا من نفسه عميل للفوضى العبثية لا أكثر.
مما لا شك فيه هذا الفيلم له وزن ثقيل لا يمكن تجاهله في تاريخ الدارك كوميكس وقد يكون بوابة لاجزاء تالية لشخصية الجوكر كما تحدثنا اعلاه وربما غيرها من شخصيات الظلام السوداوية العبثية في حالة تم التعامل مع المشاريع السينمائية بنفس الحرص الشديد بدون الاتجاه التجاري النمطي الذي غالبا ما يحدث عندما ينجح فيلم معين ويكتسب جمهور واسع، فيلم الجوكر حالة فنية بصرية صوتية تمثيلية خاصة نالت رضا شريحة كبيرة من الناس المنقسمة بين عشاق السينما النظيفة ذات التمثيل الخالص وسينما الكوميكس الناجحة مسبقا مما يجعلها حائزة على انتباه أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة في هولييود، حتما من الجميل مشاهدة فيلم يجمع كل أنواع الجمهور خلف شاشة واحدة للاستمتاع بالتغذية البصرية المهولة التي وفرها فيلم مثل الجوكر 👏
I HOPE MY DEATH MAKES MORE CENTS THAN MY LIFE
★ 9
محمد أنصاف - review
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق