شاهدت العديد من الافلام لكن ابدا لم يمر فيلم جعل شعور الخوف و الرهبة يعتري جسدي و الصمت و الوجود يسيطر على كلماتي و الافكار العميقة ترتعش و تغوص في أعماق مخيلتي بشكل سلس كما فعل المخرج العظيم انجمار بيرجمان في رائعته الخالدة الختم السابع التي اخترت ان يكون اول مراجعة نقدية في مدونتي
The Seventh Seal 1957
بدون أي مقدمات مطولة تنطلق الرحلة السوداوية المليئة بالشكوك الانسانية الوجودية حول الدنيا و ما بعد الحياة بسماء شاحبة و شخصان ساقطان على شاطئ لا يعرف الهدوء احدهم فارس عائد من الحملة الصليبية الى بلده السويد اثناء ما سيطر عليها الطاعون الاسود الذي قتل الاف البشر في القرن الرابع عشر و هذا الفارس لديه الكثير من الشكوك حول الايمانيات التي بنى حياته على اساسها , و فجأة يظهر امامه "الموت" متشكل على هيئة بشر قاتم الملامح قليل الكلمات يتمتع برهبة مريعة يرغب ان ينهي حياته و لكنه يطلب منه طلب اخير و هو ان يلعب معه لعبة شطرنج اخيرة فإن فاز صفح عنه و ان خسر ذهب معه و هنا تبدأ الملحمة الوجودية التي يطرحها لنا المخرج السويدي انجمار بيرجمان حول الموت و الحياة و الفجوة الدينية الانسانية التي تجلت في القرون الوسطى في اوروبا حيث كانت تحرق الساحرات و يستخف بالفنون بكل اشكالها و انواعها في قرى فقيرة تفتقد للمنطق قليلون فيها من يملكون حس الصواب و الخطئ او الجريمة و العقاب ..!
هذه الرحلة الفلسفية العميقة التي اخذنا فيها المخرج اثارها ستبقى خالدة في اذهان اي متابع سينمائي متعمق و مفكر بحقيقة النظريات الكونية و الايمان المطلق بالاديان السماوية , فالفكرة ليست إلحادية او متزمتة دينيا , بل هي رحلة شكوك الفارس مع الرب ! في احد المشاهد عندما دخل الى الكنيسة ليعترف انه يرغب ان يقترب من الرب اكثر و يعرف حقيقة وجوده و ان ما شاهده في الارض المقدسة و فجأة اذا براهب الكنيسة هو الموت نفسه في اشارة ان البشر لا يستطيع اطالة حياته او التلاعب بالموت او تتفلسف معه في نقاشات وجودية او تخدعه باخفاء الخوف من السقوط في براثنه , فالموت يأتي لا محالة حتى و ان لعبت معه الشطرنج ! مشهد اخر استوقفني و هو مشهد الساحرة عندما قالت للفارس هل ترى الشيطان في اعيني ؟ هل ترى الموت ؟ هل ترى حياتك ؟ هل تؤمن بما يؤمنون ؟ , هي ليست الا طفلة صغيرة لفقت لها تهمة بشعة من مجتمع جاهل بل مجموعة من البائسين في مجتمع تشبث بالدين في اوقات صعبة مثل الطاعون ! الرحلة بين العوالم او المجتمعات و طريقة تفكيرها جسدها بيرجمان في شخصيات الفيلم المنوعة بين حداد خانته امرأته مع ممثل يراه المجتمع مهرج تافه لكن الموت ليس فيه تهريج او خدعة او تمثيلية مسرحية ! يوجد صراع نفسي لن ينتهي , الموت لن يتوقف عن واجبه و لعبة الشطرنج مع الفارس مستمرة و هنا تتجلى لنا فكرة التناقض الديني الالحادي الذي يقدمه بيرجمان في سينماه عندما تشاهد عائلة لطيفة من الممثلين مكونة من اب مؤمن يرى السيدة العذراء في احلام اليقظة و امراته الجميلة التي تعتني بولدها الصغير الذي ترغب ان يمتهن مهنة ارقى من التمثيل الذي كان يعد تهريج في ذلك الزمن , هذه العائلة الجميلة المؤمنة لم ترى الموت اطلاقا و لكن الرجل احس بوجوده في المكان اثناء استكمال لعبة الشطرنج في تلك الغابة الكئيبة و قررت امرائته ان يرحلوا بعيدا عن الفارس الذي تعرفوا عليه بمحظ الصدفة التي اوقعتهم في رجل يبحث عن حقيقة ايمانه بالرب .
هذا التناقض في افكار بيرجمان بين الدين و الالحاد يضعنا اما تناقض مجتمعي واقعي يحصل في كل زمان و مكان , معاناة الناس تفرض على بعضهم التشبث بالدين و تفرض على البعض الاخر جحود و نكران الرب ! هذا الفيلم لا يدعو للالحاد او التشبث بالدين في اسوء الاوقات بل هو يضع الفكرتين و يجعلهما يسيران بجانب بعض بمنظور متجرد لا يميل لطرف على الاخر مما يجعله يبقى خالد لمدة قرون لان بيرجمان استخدم السينما في طرح افكار عميقة جدا بطريقة شكسبيرية اقرب للوهم , ليس الوهم الخادع او الغير واقعي بل وهم التمسك بقشور الامور و التعصب و التسلط المجتمعي البشع الذي قد يغير نظرة البشر الى الله , ربما يقربهم الى خالقهم و يزيح غمامة الوهم الخادع او الوهم الخادع الذي يرميهم بعيدا الى الالحاد و التهلكة , هناك بين احضان السيد موت الذي سيأخذهم متمسكين بأيدي بعض و يرقصون عبثا رقصة الموت و الموت يقودهم الى قدرهم بكل حسم و ارادة حديدية لا توقفها لعبة شطرنج او غير ذلك !
هذا التناقض في افكار بيرجمان بين الدين و الالحاد يضعنا اما تناقض مجتمعي واقعي يحصل في كل زمان و مكان , معاناة الناس تفرض على بعضهم التشبث بالدين و تفرض على البعض الاخر جحود و نكران الرب ! هذا الفيلم لا يدعو للالحاد او التشبث بالدين في اسوء الاوقات بل هو يضع الفكرتين و يجعلهما يسيران بجانب بعض بمنظور متجرد لا يميل لطرف على الاخر مما يجعله يبقى خالد لمدة قرون لان بيرجمان استخدم السينما في طرح افكار عميقة جدا بطريقة شكسبيرية اقرب للوهم , ليس الوهم الخادع او الغير واقعي بل وهم التمسك بقشور الامور و التعصب و التسلط المجتمعي البشع الذي قد يغير نظرة البشر الى الله , ربما يقربهم الى خالقهم و يزيح غمامة الوهم الخادع او الوهم الخادع الذي يرميهم بعيدا الى الالحاد و التهلكة , هناك بين احضان السيد موت الذي سيأخذهم متمسكين بأيدي بعض و يرقصون عبثا رقصة الموت و الموت يقودهم الى قدرهم بكل حسم و ارادة حديدية لا توقفها لعبة شطرنج او غير ذلك !
الفكرة الرئيسية هي صراع بيرجمان مع المسألة الوجودية , هل الله موجود ؟ و ثم يبين لنا انه لا يكره وجوده بل يحبه جدا و لكنه يبحث عن اشياء تجعله يؤمن به قبل الاستسلام للموت , هذه هي فكرة الفارس في الفيلم , هذا الفارس الذي يحب الله و طالما امن به بل و قاتل بأسمه في الحروب الصليبية لكنه يريد علامة و يطرح الكثير من الاسئلة قبل الموت بل و يطرحها على الموت نفسه , الختم السابع التي تتبلور معاني اسمه حول السبع الكنائس المقدسة ربما او السبع الملائكة المذكورين في الفيلم و قد تكون السبع الخطايا المهلكة او قد تكون السبعة الكواكب و هناك السبع الاختام التي تم استعراضها للفيلم و يمكنك استنباطها بشكل سهل جدا و لكن مثير للتساؤول باسئلة لن تجد لها اجابة و ستجعل الفيلم امامك من أعظم ما شاهدت حقيقة , فيلم مرعب و صادم و ضخم بمعالجة درامية فخمة و استخدام رهيب للتقنيات البسيطة الموجودة في الخمسينات ففنيا هذا الفيلم اقرب الافلام للسينما الصامتة التي جسدت افكارها دون حديث يذكر و هنا بيرجمان ارسل افكاره بسلاسة مطلقة بمشاهد صادمة و بعض المواقف التي جسدت التناقض المجتمعي عبر ما حصل في القرية بالاضافة الى النهاية المرعبة و النظرات القاتمة من الشخصيات و هي تنظر نحو القدر المحتوم , الموت ! لن أشاهد هذا الفيلم مرة اخرى اطلاقا , عشت اعمق اوقاتي السينمائية بالتفكير و التعجب مما كنت اشاهد , مشاهدة واحدة تكفي لأرساء الافكار و غرس السينما السيريالية بشكل عجيب و باسلوب لا يحوي اي ملل او جمود يبحر بالمشاهد بعالم من الخيال ينظر فيه الى نفسه من خلال اللاشيء الذي يحيط حياته الى ان تسدل الستارة على الفيلم
10/10
تم نشر المراجعة في صحيفة عدن الغد اكتوبر 2014
تم نشر المراجعة في صحيفة عدن الغد اكتوبر 2014
http://www.adenalghad.net/news/127191/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق