مقدمة : عمرو جمال أو كيف يستطيع المشاهد أن يصبح خالق!
هذا الرجل العدني هو الفنان الذي يتميز بذلك الدافع الذي يحثه على الخلق، والذي هو ملازم للموهبة الفطرية في إظهار الفن في أبهى حلله وعكسه على المكان والزمان باستخدام أدوات متناهية الدقة تمتزج كخليط دون أن تلامس بعضها، ربما لأنه مهندس من الناحية الأكاديمية، لا أعلم، لكن ما اعرفه عن عمرو الإنسان منذ سنوات انه مشاهد ثاقب للسينما العالمية ولطالما استمعت ببعض الجلسات القليلة معه في مناقشة الأفلام الكلاسيكية والأفكار السيريالية المغلفة بفلسفة فكرية منقولة على شكل مشاهد بصرية رسخت فينا الكثير من الأفكار المهمة التي أصبحت أعمدة إنارة للمبادئ في دروب الحياة، استفدت جدا من نظرته الجذابة والزوايا التي ينظر منها لما يحدث حوله في الحياة وفي الساعتين أمام الشاشة وخلف الكواليس، هذا المشاهد القدير غدى اليوم قادرا على أن ينقل ما بمخيلته من مشاهدات لمخرجين عالميين ويصهرها مع خبرته المسرحية والتلفزيونية الطويلة التي أتاحت له أن يدخل بيوتنا العدنية ليصنع فيلم عظمته في البساطة َولمس واقعنا تم تصويره في اعتق في حواري وازقة مدينتنا، تعالو معي لنلقي الضوء على أبرز ما جاء في اول تجربة سينمائية عدنية حديثة ذات المستوى A
10 ايام قبل الزفة : أو أن السعادة لا تشترى إلا بالحب ❤
لعل أبرز ما ترسخ في عقلي طوال ساعتين من الاستمتاع بقصة واحداث الفيلم هو أن المرء لا يحتاج الى الكثير ليكون قادرا على العيش بسعادة، المرء لا يحتاج لمظاهر ترف كبيرة ليسمح لنفسه أن يعيش بسلام، الشيء الجوهري الحقيقي هو أن يكون المرء مع من يحب مهما كانت الظروف، حكاية درامية بسيطة ذات طابع فكاهي لمأمون ورشا خطيبان عانيا الكثير في سبيل أن يكونا معا في مواجهة تحديات وصعوبات الزواج ومصاريفه التي تقسم الظهر في ظل ظروف قاسية يعاني منها المواطن العدني البسيط من غلاء معيشة، استغلال من الغير في سبيل النجاة من المعمعة الاقتصادية، سقوط أخلاقي وتعميق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة مهما كانت الوسيلة قبيحة، وتوحش اقرب الناس في سبيل شهوات النفس، شهامة الأصدقاء و وقفات الرجال المغلفة بالمودة والمعروف، كلها كانت عناصر من واقع حياتنا امتزجت مع بعض في قالب درامي كوميدي نقل لنا معاناة الشباب في الزواج في ظل الغلاء المستمر وارتفاع أسعار العملة والمشتقات النفطية، الأمور المهلكة للنفس والكاسرة للخواطر والقاهرة للرجال والمبكية للنساء، صنع منها هذا الطاقم فيلم ترفيهي واقعي جميل لكل أفراد الأسرة، اللهجة العدنية تألقت بشكل ناصع في حوارات الفيلم الجادة منها والساخرة وحتى الألفاظ البذيئة كانت "حَالية" وغير مبالغ فيها كما يقال لأنه تستخدم في كل شارع وفي كل بيت تقريبا، الشخصيات كانت في قمة التنوع المجتمعي متسلسلة بين الطيب والشرير والشهم والوغد والمنكسر والذليل والقوي والبسيط، شخصيات الهرم السينمائي التقليدية لأحداث تعكس واقع مجتمع شكلت سلم ارتقى من خلاله الفيلم لأعلى مستويات النجاح التجاري والفني على حد سواء دون أن ننسى الأداء الخلاب من الممثلين الذي مثل الجوهرة على رأس التاج الفني الذي لا تستطيع أن تمنع يديك من أن تصفق عند نهايته سواء اكنت مجبر بسبب فرحة الزفة والليوة العدنية لفرقة القلعة أو كنت منبسط تقديرا لروعة ما شاهدت من عظمة وبساطة في العمل الفني وفي كلا الحالتين انت لا تستطيع أن تحبس بعض الدمعات التلقائية التي تنهمر من اعينك أثناء بعض المشاهد التي سألقي عليها الضوء الآن؛
أكثر المشاهد التي لمست قلبي مشهد "#الحضن_العائلي" رغم الظروف القاسية وإخراج أهل مأمون له من البيت والذي جعله بلا مأوى قبل أيام قليلة من زواجه الا ان الشاب الشهم لم يحقد عليهم وقدر الظروف و الأجمل ان الحب ظل يجمعهم مهما فرقتهم الظروف، فكرة مشاعر البيت العدني الحاضرة على الدوام، الأخ الكبير المهموم والأخ الصغير المتهور والأخت الهبلة المكافحة والجدة الحنون والعمة المطلقة المكاربة وطفية الكهرباء في وسط اللمة، لمسة عائلية تجعل الواحد يبتسم تلقائيا والمشهد الثاني هو مشهد "#المطر" وتلف العفش، القشة التي قسمت ظهر البعير، قمة اليأس التي وصل لها مأمون عندما قست عليه الدنيا وجارت عليه الظروف والحزن المؤلم في ملامح رشا أثناء الحوار الذي جسد أقسى لمحات الفراق بعد سنوات من الحب كانت لقطات معبرة بل ومبشرة أن السينما العدنية سيكون لها مستقبل طالما التعامل مع هذه النوعية الحساسة من المشاهد تم بهذه الاحتراف بعيدا عن الدراما التركية والاوفرة الهندية أشياء تجعل المشاهد فخور بما شاهد وبما تقدمه السينما العدنية من المهد والمشهد الثالث هو مشهد الختام #الزفة المشهد المفرح المبكي، التناقض المبهج الحزين، الفرح والزفة مقابل الانكسار في وجوه العريسين لما آلات إليه الأمور، المشهد حوى الكثير من الألم الجميل والفرح الناقص، ليوة الرجال وحفلة النساء، مكانين مختلفين شأت الظروف أن يكونا أقل مما كان مخطط له ولكن في النهاية انتصر الحب وجمع بين قلبين كادت الحرب أن توشك على تفريقهما، مشاهد الفيلم الحساسة كانت أجمل من أن تحصر في مقال أو مراجعة ولكن للأمور التقنية أيضا دور لا ينسى لا يجب إهمال ذكره؛
من النواحي التقنية، طريقة التصوير رائعة جدا، الدخول في البيت العدني، الاسواق العدنية، الأكلات العدنية، سوق القات، التمبل، زقاطيط القطيع و شعب العيدروس وحافة الشريف، الكاميرا الطائرة اللي ترتفع لتظهر لنا عشوائيات الجبل و زحمة سوق الطويل ومعاناة الناس من نقص الماء وانطفاء الكهرباء، الموسيقى التصويرية والأغاني ذات الطابع الشعبي ابتداءا من زمن أحمد بن أحمد قاسم وصولا للأغاني التي كتبها عمرو جمال، حب ولهفة وشوق والم وحزن وفرح الدنيا وألمها مشاعر مفعمة بالحياة وصلت لقلب المشاهد بسلاسة مطلقة بعيدا عن أي تكلف أو مبالغة، كل الأمور كانت كما يجب أن تكون لا أكثر ولا أقل.
وفي الختام 10 ايام قبل الزفة واحد من أجمل الأفلام اللي الواحد ممكن يشوفها في حياته وما يمل منها كلما شافها والشكر يوجه لكل من قام عليه من مساعد مخرج مروان مفرق ومنتج منفذ محسن الخليفي والممثلين كلهم من مأمون المكارب ورشا المبدعة و وليد الغبي ومشتاق جبل والأمهات والآباء والسافل سليم والمرحوم طيب الذكر هشام الحمادي الذي قدم دور رائع سيبقى خالد فيفقلوبنا و للأمانة ما بستغرب لو شفته كالتقديم اليمني للأفلام الغير ناطقة باللغة الإنجليزية في الأوسكار Yemen submission for best foreign language movie لأنه يستاهل بدون اي مبالغة.
10/10
محمد أنصاف - review - #قبل_الزفة